مساهمة في النقاش الدائر حول القرار الصادم لمحكمة النقض بشأن عدم الاعتراف بالبنوة خارج مؤسسة الزواج،حتى لا يتكرر ما جرى

khalid-mesbah

22 أبريل 2021                                بقلم خالد مصباح


يعتبر قرار محكمة النقض بخصوص عدم الاعتراف بالأبناء المولودين خارج مؤسسة الزواج، في قرارها هذا الصادر مؤخرا : أن الطفل “خارج مؤسسة الزواج” لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بالأب البيولوجي،لا بالنسب ولا بالبنوة صدمة كبرى في أوساط حقوق الإنسان وكل المدافعين والمدافعات عنها.
ومحكمة النقض بهذا القرار تكون قد خيبت أمال كل المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان الذين واللائي استبشروا واستبشرن خيرا من خلال الحكم الابتدائي للمحكمة الابتدائية بطنجة قبل ثلاث سنوات مضت في شأن نيل الطفلة نسب أبيها البيولوجي بناء على الخبرة الجينية واعتمادا على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة،ولم تستحضر أيضا بأي شكل من الأشكال المصلحة الفضلى للطفل إعمالا للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وبقرارها هذا أيضا تكون قد خالفت النسق الدستوري الذي يتميز بنفس حقوقي قوي.حيث يؤكد أن الاتفاقيات الدولية التي يصادق عليها المغرب خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان تساهم في تطوير المنظومة التشريعية من خلال سن المشرع المغربي سواء الدستوري أو العادي لقوانين تتلاءم و الاتفاقيات الدولية و تكرس للالتزامات المغرب بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان،و كذا انخراطه في المنظومة الدولية، لذا فانخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان و التزامه باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا و ذلك من خلال مصادقته على الاتفاقيات التسع (العهدين الدوليين، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية حقوق الطفل التي تشكل النواة الصلبة لحقوق الإنسان جعله ينص صراحة في ديباجة الدستور على سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية فور المصادقة عليها و نشرها ما لم تتعارض مع أحكام الدستور ، بحيث لم يعد المغرب يقتصر على عبارة ” تشبث المغرب بالتزامه باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ” بل تجاوزها لحد الإقرار بسمو الاتفاقيات الدولية، هذا ما يبرز جدية المغرب في التزامه أمام المجتمع الدولي، بل إن المشرع الدستوري نص على إمكانية مراجعة الدستور في حالة تعارض اتفاقية دولية معه كما نص على ذلك في الفصل 55 من الدستور؛ هذا ما يبين الأهمية الكبيرة التي يوليها المغرب لحقوق الإنسان من خلال الدستور و المكانة المهمة للاتفاقيات الدولية على مستوى هذه الوثيقة الدستورية.
وتأسيسا على كل ما سبق سرده يكون هذا الحكم من لدن محكمة النقض المتعلق بعدم الاعتراف بالبنوة خارج مؤسسة الزواج قد خالف تماما اختيارات البلد،وتوجهاته التي ضمنها في دستوره و الذي يعتبر من طرف الدارسين والمهتمين،وكل من له اهتمام بقضايا حقوق الإنسان.دستور الحقوق بامتياز و ذلك اعتبارا لما تضمنه من تكريس للحقوق و الحريات و من مستجدات في نفس الإطار بحيث خصص المشرع الدستوري باب بأكمله الذي أسماه ب ” الحقوق و الحريات الأساسية ” و هو يضم ما يقارب 21 فصلا و قد تم ترتيبه في الباب الثاني ما يبرز المكانة المهمة التي أولاها المشرع لحقوق الإنسان على مستوى الوثيقة الدستورية، و يضم هذا الباب مجموعة من الحقوق كالحق في الحياة باعتباره أول الحقوق للإنسان ، الحق في الملكية ، الحق في السلامة الجسدية، الحق في الحصول على المعلومة، حرية الفكر والتعبير إلى غيرها من الحقوق التي تمت دسترتها، فضلا عن مجموعة من الحقوق المنصوص عليها في الديباجة و مجموعة من الفصول الدستورية تصل في مجملها إلى 40 فصلا تقريبا ؛ هذا ما حدا بالعديد إلى توصيفه بدستور الحقوق والحريات بامتياز.
ويمكن آن نخلص في الأخير،إن هذا القرار الصادم لمحكمة النقض بخصوص عدم الاعتراف بالبنوة خارج مؤسسة الزواج،أصبح يفرض أكثر من وقت مضى على كل المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان،وهيئة الدفاع وتعبيراتهم المختلفة المؤمنة والمقتنعة بإعمال المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في الأحكام القضائية ببلدنا،إلى العمل والمزيد من العمل من اجل تنزيل مضامين الدستور الحقوقية أولا،وفرض سمو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب على القوانين والتشريعات الوطنية ثانيا،وخاصة التي لازالت لا تساير هذا النفس الحقوقي الواضح في الوثيقة الدستورية،وأساسا الترافع القوي من أجل معركة ملائمة كل القوانين والتشريعات الوطنية مع منظومة حقوق الإنسان الكونية والشمولية،لأنها هي صمام الأمان لكي لا تتكرر مثل هاته القرارات والأحكام التي تستحضر النص أكثر ما تعمل على تفضيل مصلحة الإنسان وحقوقه وحرياته،و التي يكون في نهاية المطاف ضحاياه هم الأطفال والنساء ومختلف الفئات التي تعيش وضع الهشاشة،وتعاني من صعوبة الولوج للحق في العدالة.