العمل الجمعوي بالمغرب :التعريف /المعيقات والطموحات :

لحسن-بازغى

23نونبر 2020                        بقلم بازغ لحسن

تقديم :

أحاول من خلال هذا الموضوع إعطاء مجموعة من الأفكار التي أراها ضرورية لفهم عمل الجمعية ودورها في المجتمع ،والوقوف على نوعية المشاكل والصعوبات والعراقيل التي يتخبط فيها العمل الجمعوي عموما وما يعترضه وكذا إعطاء بعض الاقتراحات والأفكار والطموحات التي تسعى هذه الجمعيات إلى تحقيقها .كما اقر أن هذه الملاحظات تبقى أولية وان وقوفنا عليها هو من باب المساهمة في إثراء النقاش .

كما توخيت ترتيب مجموعة من المحاور والنقط الأساسية وفق التصميم التالي :التعريف بالعمل الجمعوي عموما –المعيقات ثم الطموحات .
1-تعريف العمل الجمعوي بالمغرب.
يعرف المجتمع المغربي اليوم تأسيس عدد متزايد من الجمعيات ،كما يعرف واقع هذه الإطارات تفاوتا حسب طبيعة كل جمعية وأهدافها .وتحتل هذه الجمعيات دورا وموقعا بارزا ضمن مكونات المجتمع المدني ،وتتجه إلى لعب دور حيوي مهم في توعية وتكوين وتثقيف المواطنين .فحسب دراسة أخيرة لوزارة الداخلية قامت بها ،فان النسيج الجمعوي عرف تطورا ملحوظا سريعا ومتنوعا في تكويناته منذ نهاية التسعينات وخاصة ابتداء من 2005 تاريخ انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .مشيرة إلى أن عدد الجمعيات ارتفع من 40000جمعية في بداية التسعينات إلى حوالي 116 ألف و836 جمعية اليوم .وان سنتي 2013 و2014 شهدتا معدل تأسيس يومي للجمعيات يتراوح مابين115 إلى 700 جمعية تم تسجيلها في اليوم الواحد .كما أفادت هذه الدراسة بان أغلبية الجمعيات أي ما نسبته 93 في المائة ذات إشعاع محلي .وخلصت آن هذا النسيج يتشكل أساسا من جمعيات القرب .أي التي تنشط في أوساط الساكنة المحلية التي تقطن في الأحياء والدواوير والجماعات الحضرية والقروية مضيفة أن 2في المائة من الجمعيات لها تغطية أوسع على صعيد العمالة آو الإقليم ،وان 1 في المائة لها تغطية جهوية و4في المائة لها تغطية وطنية .وكل هذا يعتبر في نظرنا ظاهرة صحية ،كما للبعض منها عمق وتجدر تاريخي وامتداد اجتماعي محترم .اما اسلوب العمل على مستوى الفعالية والمردودية فالغالبية العظمى من الجمعيات مازالت تعيش مرحلة التطوع والعفوية وانتظار المنح والدعم والقليل منها انتقل الى مرحلة المهنية والمؤسساتية .
إلا انه ما يسترعي الانتباه هو ما إذا افترضنا أن كل اطارجمعوي يكون على الأقل 100عضو فان العدد الإجمالي للمنخرطين سيصل إلى الملايين .وهذا عدد ضخم “مقارنة مع فرنسا جمعية لكل 750نسمة “.ولكن بالرغم من كل ماقيل وذكرناه من انتعاش في هذا المجال ،فانه لايعني أن العمل الجمعوي أمر حديث ببلادنا بل أن عمر هذه الظاهرة يفوق الآن 88سنة حيث أن أقدم جمعية عرفت بالمغرب كانت هي جمعية الهلال بطنجة والتي تأسست سنة 1927 إضافة إلى جمعية الكشفية الحسنية المغربية التي جاءت بعدها وكان ذلك في تاريخ 26نونبر 1933 وكل هذه الجمعيات التي ذكرنا تسعى إلى تحسيس وتوعية وتكوين منخرطيها في مجموعة من المجالات كما أسلفنا .
كما تنقسم هذه الجمعيات إلى وطنية والتي تتشكل من مكاتب مركزية ومكاتب فرعية .ثم المحلية فهي بدون فروع وكلها إطارات تشتغل وفق قانونها الأساسي ووفق مايقرره مكتبها المسير ويتماشى بالطبع مع قانون تأسيس الجمعيات المعدل في 23يوليوز 2002 ،كما أن الجمعية تشبه في تأسيسها أي كائن حي لها بداية ونهاية .وقد عملت الدولة في الستينات على تأسيس وإنشاء عدد من الجمعيات لضرب مصداقية الجمعيات الجادة “جمعيات الجبال والسهول والوديان “كما يسمونها وكلها تستفيد من خزانة الدولة وتتمركز بالمدن الكبرى ،وتتمتع بخاصية المنفعة العامة .ومع ذلك فقد باءت بالفشل الذر يع لأنها لاتستطيع في مجملها اختراق مكونات المجتمع المدني والتأثير فيه .كما يجب التذكير أن هناك جمعيات تابعة للأحزاب السياسية .أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي لهذه الجمعيات وهذا شيء مهم يجب التعرف عليه .فتشكل جهة سوس ماسة درعة “19الف و417 جمعية “تأتي في المرتبة الأولى من ناحية التأسيس ،تليها جهة مراكش تانسيفت الحوز “12الف و209جمعية “ثم الدار البيضاء الكبرى ب “11 ألف و148 جمعية “وهذه هي الأقطاب الأكثر أهمية فيما يتعلق بتمركز الجمعيات .
أما من ناحية الأنشطة الممارسة فكانت في الأول تقتصر على المجالات الثقافية والتربوية والرياضية والمهنية والاجتماعية ،فنشا من عدة سنوات جيل جديد من الجمعيات يعمل في مجالات حقوق الإنسان والنوع والتنمية والمقاولة والقروض الصغرى والبيئة وغيرها .وقد أبرزت كذلك نفس دراسة وزارة الداخلية انه فيما يتعلق بالتقسيم القطاعي لهذه المجالات ف 24 في المائة من الجمعيات المذكورة تنشط في مجالات الأعمال الاجتماعية و21 في المائة في مجال البيئة والتنمية المستدامة و19في المائة في مجالات الرياضة والترفيه .مؤكدة آن نسبة الجمعيات التي نشط في مجالات الدين والسياسة وحقوق الإنسان تتراوح بين اقل من 1و3 في المائة حسب الجهة .
وهناك الجمعيات التي لها نفس الأهداف والتوجهات تتكتل فيما بينها وتؤسس إطارات أخرى تتحد فيما بينها فتسمى اتحادات وفيدراليات آو مجالس التنسيق .
انطلاقا من كل هذه المعلومات المهمة السابقة التي أسلفنا يجب التذكير انه عند تأسيسنا لأي إطار جمعوي لابد من طرح مجموعة من التساؤلات نصنفها على الشكل التالي :مامفهوم الجمعية ؟من نحن ؟مانريد ؟ماهي أهدافنا ؟وماهي إمكانياتنا ؟
وعند رجوعنا لتعريف الجمعية فنجد أنها منبثقة من مصدر الفعل الثلاثي “جمع “ومذكر الاشتقاق هو “جمعي “ومؤنثه جمعية وهي جماعة بشرية منظمة بإرادتها وقوانينها تحمل هما وانشغالا معينا ومشتركا وترنو إلى تحقيقه من خلال إتباعها للبرنامج الذي سطرته وتستند في تطبيقه إلى قيادة .
أما بالنسبة للمفهوم القانوني للجمعية فالفصل الأول من قانون تأسيس الجمعيات يقول :الجمعية هي اتفاق أكثر من شخصين لتحقيق أهداف دون اقتسام الأرباح
زيادة على الفصل الثاني من نفس القانون الذي ينص على انه يجوز تأسيس الجمعيات بكل حرية وبدون إذن باستثناء ماينص عليه الفصل الخامس الخاص بالتصريح .فالمشرع هنا استند في نصه على تحديدات مدققة ليمنع وقوع الخلط بين الجمعية وباقي التنظيمات الأخرى .كما أن الدستور المغربي “اسمي قانون بالبلاد “يعترف في الفصل 29 بان “حرية تأسيس الجمعيات والانتماء السياسي والنقابي مضمونة ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات “.
الاانه في الغالب فجل السلطات الإدارية لاتحترم هذه القوانين ….ويبقى ذلك مرهونا بمزاجية واضحة ،فعلى سبيل المثال وصل الإيداع الذي من المفروض أن يسلم المؤقت في الحال بمجرد إيداع التصريح بها لايسلم على الفور .ويمكن أن يطول انتظاره في بعض الأحيان .مما يحول نظام التصريح في الواقع إلى نظام الترخيص وهناك من يحرم منه بالمرة أو سنوات تبقى مجهولة .
إن الحديث عن ممارسة العمل الجمعوي بالمغرب منذ البداية نجذ ارتباطه القوي بدار الشباب كما أن هناك جمعيات أخرى تعمل داخل فضاءات مقرات ودور الثقافة ومقرات الأحزاب ومركبات ثقافية .فحسب الإحصاء الأخير لوزارة الشباب والرياضة يوجد بالمغرب 443 مؤسسة دور الشباب يستفيد من خدماتها تقريبا أزيد من 6ملايين شاب سنويا ،وتتوفر الدار البيضاء الكبرى وحدها على 27 دار موزعة على 7 مند وبيات .الاان جلها يعرف مشاكل مطروحة بحدة ،ثم أن بعض القاعات بها غير صالحة للاشتغال لكونها قديمة البناء أو من جراء عدم اثقان بناءها مما يجعلها تحت رحمة التقلبات الجوية المطرية بالإضافة إلى قلة القاعات مقابل كثرة الجمعيات .
2-الصعوبات
ثم لابد من تسجيل مجموعة من الصعوبات والعراقيل الأخرى التي أصبحت عائق وهاجسا مخيفا أمام كل الجمعيات الجادة ،انتهت بموت العديد من الإطارات الجمعوية نذكر منها :
-مشكل الحصول على مقرات خاصة لبعض الجمعيات لتجميع وثائقها وتنظيم أعمالها لان الحصة المسموح بها داخل دار الشباب ساعتين أسبوعيا فقط وغير كافية .
-قلة الموارد المالية فهناك مشكل الدعم والمنح التي تتقلص والزبونية التي تتعامل بها بعض المجالس .
– التاخير في منح وصل الايداع والذ ي يستغرق كما قلنا شهورا .
-ارتفاع عدد الوثائق التي تطلبها السلطة بالنسبة للاشخاص الراغبين في تاسيس الجمعية .
-المنفعة العامة التي ينظمها الفصل 9 بما تخوله من امتيازات ودعم والتي من المفروض ان تشمل كثرةالجمعيات ،نجذ انه لايستفيد منها الااقل من 1 في المائة “211جمعية “.
لقد دافع المجتمع المدني في السنوات الأخيرة على حقوقه لتغيير بعض البنود التي أصبحت غير صالحة ومتقادمة فتم صياغة القانون رقم :75:00 المتعلق بقانون الجمعيات والذي صادقت عليه الحكومة وأصبح ساري المفعول منذ 23يوليوز 2002 فتضمن تحديدات أهمها :
-أصبح حل الجمعية بيد القضاء تفاديا لآي تعسف أو تضييق من السلطات الإدارية .
-وضع رؤية واضحة لإدخال الشفافية إلى التسيير المالي للجمعيات :
لذا فان الجمعيات التي تتلقى مساعدات أجنبية ألزمها الفصل “32مكرر بضرورة التصريح الى الامانة العامة للحكومة بحجم المبالغ المحصل عليها ومصدرها داخل ثلاثين يوما كاملة من تاريخ التوصل بالمساعدة وكل مخالفة لمقتضيات هذا الفصل يعرض الجمعية للحل كما هو منصوص عليه في الفصل السابع ،كما يلزم الفصل “32 مكرر مرتين “الجمعيات التي تتلقى دوريا اعانات يتجاوز مبلغها 10الاف درهم من احدى الجماعات المحلية او المؤسسات العمومية ان تقدم حساباتها للهيئات المانحة مع مراعاة مقتضيات القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية اي “مسك الجمعيات للدفاتر الحسابات وتجري عليها مراقبة مفتشي وزارة المالية “كل هذا من اجل الشفافية .
– تسهيل مساطير التاسيس وذلك بتقييد السلطة بتسليم وصل الايداع في اجل اقصاه 60يوما وتمكين المعني بالامر من رفع دعوى لدى القضاء الاستعجالي .
-إلغاء العقوبات الحبسية طبقا للفصل الثامن والإبقاء على الغرامات وتقليصها “من 1200الى 5000ده”
-3 الطموحات
-وأخيرا ومن ضمن الطموحات وآفاق العمل التي ترغب فيها الجمعيات ،فانها تطالب بخلق شراكات بينها وبين المجالس أي ميثاق شرف ،تقدم الجمعيات المشاريع والمجالس تدعمها .
-الإعفاء من ثقل الطوابع المخزنية لأوراق الجمعية .
-تسهيل مسطرة تقديم طلبات الحصول على المنفعة العامة .
– القوانين يجب أن تستلهم من المفهوم الجديد للسلطة وإلغاء الهاجس الأمني الذي يضيق من الحريات العامة .
-إعادة الجمعيات النظر في ذاتها وذلك بتحديث العمل الجمعوي وتجاوز الممارسات الوظيفية التقليدية والابتعاد عن استنساخ القوانين الأساسية .
-إعادة النظر في النظم الداخلية والأساسية للجمعيات وفق تصور ديمقراطي وشفاف ،تتحدد فيها المسؤوليات وربطها بالمحاسبة .
وفي الأخير اعتبر هذه الورقة إسهاما متواضعا مني وايدانا بفتح نقاش جاد حول العمل الجمعوي الجاد .

منقول عن موقع جريدة أحداث الساعة 24